في الفقه الإسلامي نور المشكاة في أحكام الزكاة
 المستحقُّون للزكاة

المستحقُّون للزكاة

نور المشكاة في أحكام الزكاة

نور_المشكاة_في_أحكام_الزكاةولا يجوز ولا يجزىء صرف الزكاة إلّا إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم اللهُ في القرآن بقوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾.
- والفقير: هو من لا يجدُ إلّا أقلّ من نصف كفايته، من حيثُ الطعام والملبسُ والمسكن وسائر ما لا بُدّ منه باعتبار ما يليق به.
- والمسكين: هو الذي يجدُ نصفَ كفايته لكنه لا يجد تمامها كمن يحتاج لعشرة فلا يجد إلّا ثمانية.
- والعاملون عليها: هم الذين نصبهم الخليفة أي السلطان لأخذ الزكوات من أصحاب الأموال ولم يجعل لهم أجرةً من بيت المال.
- والمؤلَّفة قلوبهم: هم من كانوا ضعيفي النيّة بين المسلمين بأن يكونوا دخلوا في الإسلام ولم يتآلفوا مع المسلمين فيعطون من الزكاة حتى تقوى نيّتهم بالإسلام، أو يكونوا شرفاء في قومهم يتوقع بإعطائهم إسلام نظرائهم.
- والرقاب: هم المكاتبون كتابة صحيحة أي الأرقّاء الذين تشارطوا مع أسيادهم على أنهم إن دفعوا كذا من المال يكونوا أحرارًا.
- والغارمون: هم المدينون الذين استدانوا لعمل حلال، أو استدانوا لحرام ثمّ تابوا، ويشترط لجواز إعطائهم من الزكاة أن يكونوا عجزوا عن وفاء الدين، وأن يكون الدَّيْن حالاً، أي حال أوان دفعه.
- ومعنى ﴿وفي سَبِيل اللَّهِ﴾ : الغزاة المتطوعون بالجهاد بأن لم يكن لهم سهم في ديوان المرتزقة من الفىء، فيعطون ما يحتاجونه للجهاد ولو كانوا أغنياء، إعانةً لهم على الغزو.
- وابن السبيل: هو المسافر أو مريد السفر المحتاج بأن لم يكن معه ما يكفيه لسفره فيعطى من الزكاة بشرط أن يكون سفره غير محرّم.

ولا يجوزُ دفعُ الزكاة لغير هؤلاء كدفعها لبناء المدارس والمستشفيات، ومن فعل ذلك لم تصحّ زكاة ماله.
ويشترطُ أن يكون الآخذ للزكاة من غير ءال النبيّ صلى الله عليه وسلم، والمراد من كان من بني هاشم جدّ النبيّ وبني المطّلب أخي هاشم.
ويشترط أيضًا أن لا يكون غنيا بمال يملكه أو بكسب يكتسبه يكتفي منه، وأن لا يكون ممن يجب على دافع الزكاة نفقته كالأب والأم والأولاد غير البالغين؛ وأمّا البالغون الفقراء المستوفون للشروط فيجوز أن يدفعها الأب لهم.
فائدة: قال المحدِّث الشيخ عبد الله الهرري (المعروف بالحبشي): قال بعض العلماء:
ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وإنما استحبّ ذلك ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقّيها، قال أحمد (أي أحمد بن حنبل): أعجب إليّ أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز. وقال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير: يضعها ربّ المال في مواضعها، وعن أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي: ردّها فضعها مواضعها.
وأمّا وجه فضيلة دفعها بنفسه فلأنه إيصال للحقّ إلى مستحقيه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقّهم عن خطر الجناية، ومباشرة تفريج كربة مستحقّها وإغنائه بها، مع إعطائها للأوْلى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها. اهـ
ثم من أحكام الزكاة التي اتّفق عليها فقهاء الإسلام أنّها لا تدفع لغني أي إنسان مكتفٍ، بأن يكون يجد حاجاته الأصليّة من نفقةٍ وكسوةٍ وحاجةِ مسكنٍ، ولا لقوي على العمل والكسب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها (أي الزكاة) لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب" رواه أبو داود في السنن وغيره، وهو حديث متّفق على صحّته. ولم يجعل الشرع الزكاة مثل سائر التبرّعات فإن الصدقة غير الزكاة تجوز للفقير والغني.
ثم الزكاة ليست في كل عمل خيري كبناء المساجد والمدارس والمستشفيات، وقول الله ﴿وفي سَبِيل اللَّهِ﴾ بيَّن رسول الله أنه ليس المراد به كل مشروع خيري، بهذا الحديث المذكور ءانفًا فهو عليه السلام أفهمنا بهذا الحديث هذا الحكم، ورسول الله أفهم بمعاني القرءان من غيره؛ فلا يجوز العمل بقول بعض المدّعين للعلم: إنه يجوز صرفها في كل عمل خيري، وليس في هؤلاء مجتهد حتى يُقلّد، فتبيّن أنه لا يجوز تقليده.
فمصارفها هم الثمانية المذكورون في ءاية ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرآءِ﴾ الآية. ومنهم العامل وهو من يبعثه الإمام أي الخليفة لجمع الزكوات من أرباب الأموال، قال الفقهاء: العامل يستحقّ من الزكاة أجرة ما عمله. قالوا: فإن شاء الإمام بعثه بلا شرط ثم أعطاه إيّاها وإن شاء سمّاها له إجارة. وقالوا: فلو أدّاها المالك قبل قدوم العامل أو حملها للإمام أو نائب الإمام فلا شىء للعامل، لذلك قالوا: لو تولّى الإمام تفرقة الزكاة بنفسه لا بأيدي العاملين سقط سهم العامل ولا يأخذه الإمام.
ومن أحكامها أنه يجب أداؤها فورًا بعد حَوَلان الحول، ولا يجوز تأخيرها إلّا لانتظار من هو أولى بها من الفقراء الموجودين في البلد كقريب المزكّي الفقير والجار الفقير، كما قال ذلك الفقهاء من شافعيين وحنفيين ومالكيين وغيرهم.
تكميل: قال الفقهاء في تأكيد تحريم صرفها لغير الثمانية للذين ذكرهم الله في القرءان: إنها تحرم على الغازي المرتزق، قالوا: إنما يرزق من حصته من الفىء فإذا عدم الفىء واضطررنا إلى المرتزِق ليكفينا شر الكفّار أعانه الأغنياء من أموالهم لا من الزكاة، والمرتزق هو الجندي المسجّل في ديوان المجاهدين. فإذا كان هذا لا يعطى من الزكاة في هذه الحال التي فيها المسلمون بحاجة إلى استمرار هؤلاء المرتزقين في وظيفتهم مع أنهم متفرّغون للجهاد فكيف هؤلاء الذين تعمل لهم على حساب الزكاة مآدب ومآدب فتكلّف الآلاف المؤلفة كما فعل في بعض السنين الماضية، فهؤلاء عكسوا حديث رسول الله: "تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم". وفي الحديث الصحيح: أن رجلين أتيا رسول الله يطلبان منه أن يعطيهما من الزكاة وكانا جَلْدَيْن (أي قويين) فصعَّد فيهما النظر وصوَّب ثم قال: "إنه لا حقّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" ثم أعطاهما بعد أن حسن الظن بهما بأن اعتبرهما لا يجدان من العمل ما يَسدُّ حاجاتِهما الأصليّة. فبعد هذا الحكم من رسول الله كيف يجوز أن يُتصرّف فيها لإطعام هؤلاء الأغنياء بحجّة تنشيطهم لدفع الزكاة.
وليحذر من هؤلاء الذين زادوا على ما ذُكر بأن نشروا منشورًا ذكروا فيه انه تجب الزكاة على كل مسلم وتجب الزكاة في الدواجن، فخرقوا إجماعًا مضى عليه قرون؛ وقد أجمع علماء الإسلام من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا أن لا زكاة في الدواجن، إنما الزكاة عند جمهور الأئمة في البهائم في الإبل والغنم والبقر.
وأموال الزكاة يجب توزيعها لمستحقّيها بأعيانها، فلا يجوز وضع أموال الزكاة في مواضع الربا، فالزكاة طهرة لا تخلط بخبث.
وليت شعري هل اطّلعوا على هذه الأحاديث ثم منعهم هواهم أن يعملوا بها أم لم يطّلعوا؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وفي حاشية ابن عابدين ج 1 ص 14 ما نصّه: "الزكاة دفعها فوري أي واجب على الفور، وعليه الفتوى، فيأثم بتأخيرها بلا عذر وتردّ شهادته". وفي ردّ المحتار: "وقد ثبت عن أئمّتنا الثلاثة وجوب فوريتها".
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في المهذّب ما نصه: "وَمَنْ وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها لأنه حقّ يجب صرفه إلى الآدمي"، وقال الشيخ عليش المالكي في منح الجليل ج 2 ص 95 ما نصّه: "ووجب تفرقتها أي الزكاة فورا على المستحقين".اهـ
والله سبحانه وتعالى أعلم